أنس الشريف.. شهيد الحقيقة
أنس الشريف.. شهيد الحقيقة
كان اسم الصحفي الفلسطيني أنس الشريف الأبرز في نشرات الأخبار والتغطيات الصحفية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر وحتى قبل أيام قليلة عندما استهدفته إسرائيل إلى جانب عدد من الصحفيين في إحدى الخيمات الخاصة بهم قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة وهو الفعل الذي قوبل باستنكار وإدانة دولية واسعة ولم يكن إلا دليلاً على تعمد إسرائيل حجب حقيقة الوضع المأسوي في غزة عن أعين العالم.
كان أنس الشريف على رأس الأصوات المؤثرة من داخل قطاع غزة الذين أسهموا بإطلاع العالم على حقيقة ما يجري في قطاع غزة من إبادة راح ضحيتها الآلاف خلال الأشهر الماضية رافضًا أن يغادر القطاع أكثر من مرة إلى مكان أكثر أمان، فقرر أن يواجه نفس المصير الذي يواجهه أبناء غزة كل يوم والذي لا خيار فيه غير المعاناة جوعًا أو الموت إما قصفًا أو برصاص الاحتلال.
لم يتوقف أنس الشريف منذ السابع من أكتوبر عن نقل حجم المأساة في غزة ومدى الدمار الذي وصل إليه القطاع، كانت إجابته واحدة على السؤال الذي يتكرر عليه دومًا "لماذا لا يتوقف عن التغطية؟": " السؤال الذي يلاحقني كل يوم يقولون إنني مهدد وقد أقصف في أي لحظة لكن الحقيقة البسيطة والموجعة أنه لا أحد في غزة آمن؛ لا أنا ولا أطفالي ولا زملائي ولا أي إنسان يسير تحت سماء تمطر ناراً".
بالفعل قررت إسرائيل أن يتوقف أنس عن التغطية فقتلته وزملاءه بغارة قوية، بل وخرجت في محاولة لتبرير اغتيالها لأنس ومجموعة من الصحفيين زاعمة أنهم على علاقة مع المجموعات المسلحة.
وكالعادة استقبل العالم أنباء الاغتيال بالاستنكار والإدانة؛ فمفوضية حقوق الإنسان عدّت العملية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ودعت إلى إتاحة وصول فوري وآمن ودون عوائق لجميع الصحفيين من وسائل الإعلام العالمية إلى قطاع غزة.
ولد أنس الشريف في الثالث من ديسمبر 1996، ونشأ في مخيم جباليا شمال شرقي قطاع غزة وتلقى تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والمؤسسات التعليمية لوزارة التربية والتعليم والفلسطينية ودرس الصحافة والتلفزيون.
بدأ أنس العمل صحفيًا في وسيلة إعلام محلية وتعرض للإصابة خلال تغطيته الصحفية في 2018 بشرق تلة “أبو صفية” شمال شرقي مخيم جباليا، وسرعان ما عاد إلى ممارسة مهنته وانتقل للعمل في فضائية عربية مع بداية الحرب الأخيرة.
وبرز الشريف بتغطيته المتميزة للحرب من خلال توثيقه للمجازر التي نفذتها القوات الإسرائيلية في مختلف مناطق غزة حتى تلقى تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع.
ورغم التهديدات استمر أنس الشريف، وحظيت تغطياته بنسب مشاهدة مرتفعة وتغلب على الصعوبات التي واجهته في تقديم عمله الصحفي من القطاع.
وفي 2024 منحته منظمة العفو الدولية في أستراليا جائزة “المدافع عن حقوق الإنسان” لعام 2024؛ تكريمًا لجهوده الشجاعة في تغطية الأحداث في غزة، وتقديم شهادات حية تسلط الضوء على معاناة المدنيين وسط الصراع وأهدى الشريف الجائزة لروح والده.
كما كُرم بدرع الشجاعة من جامعة ماردين التركية، وذلك عن دوره في تغطية حرب الإبادة الجارية.
تحدث أنس عن مشاركته في تغطية الحرب الإسرائيلية العنيفة على القطاع، حيث قال: "منذ السابع من أكتوبر، بدأت بالنشر على صفحاتي الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي وعبر وكالات دولية ومحلية وعالمية، والهدف هو إخراج الصورة من شمال غزة أمام الحصار المفروض على دخول الصحفيين الأجانب".
“لم تستطع أي مؤسسة دولية أو محلية أو إقليمية حماية الصحفيين في قطاع غزة رغم ارتكاب الاحتلال كثيراً من الجرائم بحقهم واستهدافهم وإطلاق النار عليهم، وما قُدِّم إليهم حتى الآن غير كافٍ؛ لأن المخاطر عالية جداً، لا تمسهم فقط بل تمس أيضاً عائلاتهم”. كان أنس يعلم هذا الأمر، وصرّح به قبل وفاته.. ورغم ذلك قرر أن يكون شهيد الحقيقة.